مناهضو العنصرية يستعيدون شوارع بريطانيا- نصر مؤقت أم تحول دائم؟

مساء الأربعاء، انطلقت حشود غفيرة من مناهضي العنصرية في شتى أنحاء شمال وجنوب إنجلترا، في مسعى حثيث لاستعادة زمام المبادرة في الشوارع والمدن، وإنقاذها من براثن اليمين المتطرف. هذا اليمين المتطرف الذي روع المسلمين البريطانيين وأصحاب البشرة الملونة، فضلاً عن اللاجئين والمهاجرين على مدار ثمانية أيام عصيبة.
لقد حققوا نجاحًا باهرًا في قلب الطاولة، وانتزاع زمام الأمور من أيدي السياسيين والإعلاميين الذين أججوا نار الفتنة بخطاباتهم التحريضية ضد الهجرة، وأطلقوا العنان لمشاعر الكراهية التي لا تليق ببلد يتفاخر بتعدده الثقافي العريق. لقد وجه هؤلاء المناهضون رسالة صارخة مدوية: بريطانيا ليست ملكًا لأحد بعينه، وأحياؤنا المتنوعة الأعراق لن تتحول أبدًا إلى مناطق محظورة على أي فرد من أفراد المجتمع بأكمله.
هذه القوة الجماهيرية الهائلة التي تجلت في لحظة حرجة للغاية، جاءت كرد فعل مباشر على تحذيرات الشرطة المسبقة من أن اليمين المتطرف كان يعتزم تنظيم أكثر من مئة تجمع حاشد في مختلف أرجاء البلاد. كان هدفهم الأساسي هو إشاعة الفوضى والبلبلة، ليس فقط من خلال ما أطلقوا عليه زورًا وبهتانًا "المظاهرات المناهضة للهجرة"، بل أيضًا عبر استهداف المساجد ودور العبادة، ومكاتب محامي الهجرة، والجمعيات الخيرية التي تعنى برعاية اللاجئين والمهاجرين المحتاجين.
وفي مواجهة هذه التهديدات المروعة، انتفض جموع الناس الذين عاشوا تحت وطأة الخوف والرعب من هذه الهجمات وأعمال العنف المؤسفة، ليعلنوا بصوت واحد مدوٍ "كفى! لقد طفح الكيل". وبهذا الموقف الشجاع، تلاقت إرادة الشعب مع استجابة الشرطة السريعة والحاسمة، والتي أسفرت عن اعتقال المئات من مثيري الشغب، وتوجيه الاتهام إلى عدد كبير منهم.
إن الوجود المكثف لمناهضي العنصرية بأعداد هائلة في الشوارع كان كافيًا لزرع الرعب في قلوب بلطجية اليمين المتطرف وترهيبهم، فلم يجرؤ إلا عدد قليل منهم على الظهور في المناطق التي كانوا يخططون لنشر العنف والفوضى فيها.
وعقب هذه المواجهات الحاسمة، بدا جليًا أن أعمال الشغب العنصرية قد وصلت إلى نهايتها، وأن من شارك فيها أو حرض عليها بدأ يشعر بوطأة القانون وقبضته الحديدية، تمامًا كما وعد رئيس الوزراء كير ستارمر.
ورغم أننا نحتفي بهذا الانتصار الساحق ضد العنصريين والفاشيين، ونستعيد الهوية البريطانية المتعددة الأعراق الزاهية، إلا أنه لا يسعنا إلا أن نتساءل: كيف وصلنا إلى هذه المرحلة المأساوية من الشغب اليميني المتطرف في شوارعنا؟ وما السبيل الأمثل لمنع تكرار هذه الفظائع والجرائم الشنيعة؟
يشير العديد من المحللين والمراقبين إلى أن التضليل الإعلامي المنتشر عبر الإنترنت كان المحرك الأساسي وراء هذه الأعمال الدنيئة والمشينة. فالمحتوى المضلل الذي يلقي باللوم على المسلمين واللاجئين في جميع المشكلات التي تعاني منها البلاد – بدءًا من ارتفاع تكاليف المعيشة وتدهور الأوضاع الاقتصادية، وصولًا إلى نقص المساكن، وحتى الجرائم البشعة ضد الأطفال – لعب دورًا محوريًا في دفع أسوأ عناصر المجتمع إلى النزول إلى الشوارع والتعبير عن كراهيتهم.
لكن الحقيقة المرة التي يدركها المسلمون البريطانيون، وغيرهم من الأقليات العرقية، هي أن هذه الكراهية ليست وليدة اللحظة أو جديدة العهد. إنها جرح قديم عميق الجذور يمتد لعقود طويلة. فأبناء الطبقة العاملة من المهاجرين الذين ساهموا بجهودهم الجبارة في إعادة بناء بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية، شعروا في الأسبوع الماضي بأنهم يواجهون نفس التمييز العنصري والكراهية البغيضة التي واجهها آباؤهم في السبعينيات والثمانينيات.
لقد تكرر التاريخ المشؤوم، وأصبحت النساء وكبار السن، وكل من يبدو مظهره الخارجي كأنه "مهاجر"، يعيشون في خوف دائم وهلع مستمر، ويُطلب منهم البقاء في منازلهم وعدم مغادرتها، وتجنب مناطق معينة خشية التعرض للعنف الجسدي أو حتى لهجمات بالحمض الحارق.
الأسبوع الماضي، ذكّرنا بكل أسف بأن الكراهية المتأججة ضد المسلمين، والتي انفجرت وتصاعدت حدتها بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، لم تختفِ تمامًا رغم كل الجهود المضنية المبذولة. فتلك الحرب الظالمة التي شنتها الولايات المتحدة وحلفاؤها، بما في ذلك بريطانيا، بحجة "محاربة الإرهاب"، جلبت الويلات والدمار للمجتمعات المسلمة في منطقة الشرق الأوسط، وعمقت الجروح الغائرة في صفوف المسلمين الذين يعيشون في الغرب.
منذ ذلك الحين، أصبح التحامل السافر ضد المسلمين جزءًا لا يتجزأ من السياسة في معظم أنحاء القارة الأوروبية. فتم حظر النقاب والحجاب والمآذن، بل وحتى اللحوم الحلال. وأصبحت الإسلاموفوبيا مقبولة على نطاق واسع في الخطاب السياسي والإعلامي على حد سواء، مما أدى إلى تطبيع الكراهية والعداء ضد المجتمعات المسلمة بأكملها.
في المملكة المتحدة، كانت هناك على الدوام أصوات عالية معادية للمسلمين والهجرة، لكن في المقابل، كان هناك دائمًا جهد مضاد للدفاع عن التعددية الثقافية الغنية التي جعلت من بريطانيا أمة عظيمة ومزدهرة.
لكن في السنوات الأخيرة، بدأت المكاسب القيمة لمناهضة العنصرية التي حققناها بكل جهد وعناء منذ أحداث 11 سبتمبر/أيلول تتلاشى تدريجيًا. وعاد الساسة ووسائل الإعلام إلى شيطنة المسلمين وتقديمهم كتهديد خطير لمستقبل الأمة، وخاصة منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، حين رأينا عودة مروعة إلى الأيام المظلمة التي تلت أحداث 11 سبتمبر/أيلول مباشرة.
وُصِفت المسيرات الحاشدة التي طالبت بوقف أعمال الإبادة الجماعية المروعة وقتل المدنيين الأبرياء بأنها دعوات "كراهية وتحريض"، واتُهم المسلمون البريطانيون الذين دعوا إلى وقف هذا العنف الوحشي بأنهم "محرضون على الكراهية والعنف". هذا التصعيد الخطير هو ما أوصلنا في نهاية المطاف إلى الانفجار المروع للكراهية الذي شهدناه في الأسبوع الماضي.
لكن بفضل الجهود الجبارة التي بذلها مناهضو العنصرية، لم تستمر أعمال الشغب المؤسفة سوى أسبوع واحد فقط، رغم أنها كانت تتنامى وتتفاقم على مدار عقود طويلة.
الآن، وبعد أن هدأت الأمور نسبيًا، تحاول المجتمعات المتضررة بشدة التقاط أنفاسها المهدورة. والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: كيف نمنع تكرار هذه الكراهية المستعرة؟
إن الطريقة الوحيدة الفعالة لضمان عدم تكرار أعمال الشغب العنصرية البغيضة، هي أن تشن الحكومة حربًا شاملة وجادة ضد الأيديولوجيات اليمينية المتطرفة المتطرفة. يجب على الحكومة أن تواجه اليمين المتطرف وتعصبه المعادي للإسلام بشكل مباشر وصريح، وأن تدافع بكل قوة عن حقوق طالبي اللجوء والمهاجرين، كما نصت عليها القوانين والاتفاقيات الدولية.
يجب على الحكومة أن توضح موقفها بشكل قاطع من الإسلاموفوبيا. فما لم يدرك قادة هذا البلد أن كراهية المسلمين والمهاجرين تشكل مصدرًا خطيرًا للإرهاب المحلي، وتهدد النسيج الاجتماعي المتماسك للمجتمع البريطاني، فإننا سنشهد في المستقبل القريب أسابيع أخرى من العار والخزي.
يتعين على الحكومة الآن أن تتقدم بالشكر الجزيل للشعب البريطاني النبيل الذي وقف صفًا واحدًا في وجه اليمين المتطرف، وأن تتخذ إجراءات فورية ملموسة لضمان عدم ضياع جهوده الجبارة سدى. فعلى ستارمر وحكومته أن يدافعوا بكل قوة عن التعددية الثقافية الغنية، وأن يعالجوا في الوقت ذاته أوجه التفاوت والظلم العميق المتجذر الذي تعاني منه الطبقات العاملة المتعددة الأعراق في المملكة المتحدة.
وأي تقاعس أو إهمال في هذا الاتجاه سيكون بمثابة استسلام ذليل لليمين المتطرف، وخيانة نكراء للقيم النبيلة التي تجعل من بريطانيا أمة تستحق أن نفتخر بها ونعتز بانتمائنا إليها.